لَوْلا ظُهورُهُ في المُكَوَّناتِ ما وَقَعَ عَلَيْها وُجودُ إبصارٍ. وَلَوْ ظَهَرَتْ صِفاتُهُ اضْمَحَلَّتْ مُكَوَّناتُهُ
يشرح ابن عجيبه هذه الحكمة بحكمة بالغه فقال؛ :
كان اللّه ولا شيء معه ، فكانت الخمرة الأزلية القديمة لطيفة خفية نورانية روحانية ، وليس هناك شكل ولا رسم ، متصفة بصفات المعاني والمعنوية ، متسمية بأسمائها القديمة ، منعوتة بنعوت الجلال والجمال ، فاقتضت الخمرة ظهور حسنها وجمالها ، واقتضت الصفات ظهور آثارها ، والأسماء ظهور مطالبها ، فقبضت الصفات من النور اللطيف قبضة نورانية لمقتضى اسمه الظاهر واسمه القادر ، فطلبها أيضا اسمه الباطن واسمه الحكيم ، فأبطنها في حال ظهورها ، وغطاها في حال بروزها ، فكانت ظاهرة باطنة ، ثم تفرعت تلك القبضة على تفاريع كثيرة بعدد الصفات ،
وتنوعت على أجناس كثيرة بتنوع الأسماء : فالماء واحد والزهر ألوان .
فبحر الجبروت فياض إلى عالم الملكوت ، ثم احتجب بالحكمة ، فصار ظاهره ظلمة وباطنه نورا ، ظاهره حكمة وباطنه قدرة ، ظاهره ملك وباطنه ملكوت ، والجميع جبروت .
فإذا تقرر هذا علمت أن الأكوان لا وجود لها من ذاتها ، فلو لا ظهور الحق بها ما ظهرت ، ولا وقع عليها أبصار الخلق
وظهوره تعالى بواسطة تجليات الأكوان فيه لطف كبير ، إذ لا يمكن شهوده ومعرفته إلا بواسطة هذه التجليات ، ولو ظهر بالأوصاف التي كان عليها في الأزل بلا واسطة لتلاشت الكائنات واضمحلت ،
وفي الحديث : “ حجابه النور ، لو كشف عنه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره
وهذا معنى قوله : لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته : أي لو ظهرت نعوته الأصلية الأزلية لاضمحلت المكونات الحديثة ، إذ الكائنات كلها تكثيف للأسرار اللطيفة ، التي هي نعوت الخمرة الأزلية ،
التي أشار إليها ابن الفارض في خمريته بقوله :
صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى *** ونور ولا نار وروح ولا جسم
تقدم كل الكائنات حديثها *** قديما ولا شكل هناك ولا رسم
فلو ظهرت الأسرار اللطيفة لتلاشت الكائنات الكثيفة ، إذ لا ظهور للكثيف إذا رجع لطيفا ، وما مثال الكون إلا كالثلجة ظاهرها جامد وباطنها مائع ، فإذا ذوبت الثلجة رجعت إلى أصلها ماء ولم يبق للثلجة أثر ، فكذلك المكونات الحسية إذا ظهرت أسرارها اللطيفة التي قامت بها ذابت ذواتها الكثيفة وتلاشت ورجعت لأصلها ،
فمن وقف مع ظاهر الثلجة أنكر الماء الذي في باطنها وكان جاهلا بحقيقتها ، ومن نفذ إلى باطنها عرف أصلها وفرعها ،
وكذلك الأكوان ظاهرها غرة لمن وقف مع كثافتها وباطنها عبرة لمن نفذ إلى أصلها ، قد مثلوا أيضا الكون بصورة جبريل حين كان يتصور في صورة دحية ،
فمن رآه كثيفا قال : دحية وأنكر أن يكون ملكا ، ومن عرف أصله لم ينكره ولم يقف مع ظاهره ، فإذا تلطف ورجع إلى أصله ذهبت تلك الصورة واضمحلت ، فكذلك الكون إنما هو خيال ، فما دام موجودا في الحس رأى وظهر ،
فإذا رجع إلى أصله بظهور أسراره التي قام بها اضمحل ، ولم يبق له أثر ،
ويسمون هذه الأسرار التي قامت بها الأكوان معاني ، ويسمون الأكوان أواني حاملة للمعاني ، فلو ظهرت المعاني لاضمحلت الأواني ، ومن وقف مع حس الأواني حجب عن أسرار المعاني ،
وفي ذلك يقول الششتري رضي اللّه تعالى عنه :
لا تنظر إلى الأواني *** وخض بحر المعاني
علّك أن تراني
وقال ابن الفارض رضي اللّه تعالى عنه :
ولطف الأواني في الحقيقة تابع *** للطف المعاني والمعاني بها تسمو
فالأواني كلها في الحقيقة تابعة للطف المعاني لأنها منها ، وإنما تكثفت في حق أهل الحجاب الذين وقفوا مع ظواهر الأشياء ، واشتغلوا بخدمة الحس قلبا وقالبا ، فعظم عليهم الحس وقويت دائرة حسهم وغلظ الحجاب في حقهم ، فعبادتهم حسية ، وفكرتهم حسية ، وذلك لصحبتهم أهل الحس ، ولو صحبوا أهل المعاني لاشتغلوا بخدمة المعاني حتى تتلطف لهم الأواني .
قال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي اللّه تعالى عنه :
سألت الشيخ يعني سيدي العربي بن عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنه فقلت : يا سيدي كنت أظن أنه لا يشفي غليل الإنسان إلا الحس يعني العبادة الحسية ، ولا ظننت قط أن فعل المعاني يشفي الغليل أبدا ، والآن وجدت نفسي بالعكس لا يشفي غليلها إلا المعاني ،
فأجابني بأن قال : يا ولدي لما كانت همتك مشورة للحسيات ، أمدك اللّه فيها فصرت لا تقنع إلا بالحسيات ، والآن انعكس الأمر لما وافقت أهل المعاني أثرت معرفتهم فيك بتشوير همتك لبلاد المعاني ، ولما انقلبت همتك عن بلاد الحس وشورت لبلاد المعاني أمدك اللّه فيها فصرت تقطع بالمعاني ، كما كنت تقطع بالحسيات انتهى مختصرا .
فكل من صحب أهل المعاني وانقلبت همته لبلاد المعاني ، حتى صارت عبادته باطنية معنوية تلطفت في حقه الأواني ولم ير إلا المعاني .
قلت : ومما منّ اللّه عليّ بصحبة أهل المعاني أني إذا نظرت إلى الكون بعين بصيرتي من عرشه إلى فرشه ذاب وتلاشى ولم يبق له أثر ،
قال تعالى : وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
خلاصة لكلام الكبار يقصد ابن عطاء الله هنا أن مكونات الكون كلها آيات لله وموجوده فيها ينطق بالحق تفاصيل الكون كلها واحده نغمه وحده لإله واحد
ولله كتاب مقرؤء وهو كتابه الله
وكتاب منظور وهو مايقصده ابن عطاء الله هنا الكون
وظهور الرب في كونه متجلي وواضح لاصحاب البصيره وكلاً منا يرى بقدر بصيرته
وبقدر مقامه
درجات ونظارات مختلفه كاختلاف المكونات
وطبيعتها بقدر لا اله الا الله في قلبك ترى الله وترى مكونات الله وينعكس ذلك عل حالك الكون كله صدى لصوتك الداخلي
آلا وهو مرآة قلبك وبقدر المشوشات التي تحيط بقلبك ينغلق عليك باب الفهم عن ربك وكلما تطهرت وكان مقام التوبه هدف لحياتك اعانك الله على فهم الأسرار والخفايا
تعليقات
إرسال تعليق